Monday, October 8, 2012

--- 2 ---

أربعين عاما قد مرت إلى الأن من حكايتي التي سأرويها، ليست افضل السنين ولا أسوأها، لكنها مرت بفعل القانون الطبيعي للحياة، الزمن لا يتوقف، الحياة مستمرة، ولم يكن يخطر لي بعد كل تلك السنين، ان أعود للمنزل لأجدها جالسة على جانب سريري، كعادتها، تلك لحظة يمكن ان احكيها لكم، وأوكد أنها لحظة لن تمر في حياة الكثيرين، فمنذ لقائي الاول بها، وهو يوم لن انساه من طفولتي، تلك الطفولة التي اختفت مع لقائي بها، حينها، كان يمكن لي ان اصدق كل تلك الخرافات والروايات التي سمعتها، ولابد أن الخوف كان هو الشعور الاكثر ازدحاما عند المرور على تلك التفاصيل المرعبة لوحوش وأرواح ميتة وكل الشخصيات الخرافية التي امتلأت بها قصص طفولة تلك، لكن أوكد لكم إنها لم تكن تشبه اي من الشخصيات الخرافية التي يمكن ان تتخيلوها، كانت رقيقة، ناعمة شفافة، مبتسمة، من ذلك النوع الذي لاتستيطع ان تنظر طويلا إلى عينيه، دون ان تغمض عينيك في محاولة لاسترجاع ما رأيته قبل لحظات، ولن أنسى ابدا، كيف إني كنت في حالة ذهول، ولكن لم يراودني اي شعور بالخوف، بل كانت تجذبني تلك الهالة التي تنبعث من حولها لأقترب إليها، اذكر كيف اخترقت يدي تلك الهالة دون ان تصدم بشي، كنت كمن يحرك يده في بركة ماء، تشعر بشعور ثقيل لكن لاشي يحد من حركة يدك، كنت مندهشا من ذلك الجسد الشفاف، الذي لا قوام له، لكنه موجود، أردت ان اصرخ يومها، لا لسبب، إلا لأني شعرت برغبة كبيرة في الصراخ، لكن نظرة واحدة إلى عينيها من جديد جعلتني اشعر بالهدوء والسكينة، بدت يومها شابة، لايمكن ان اعرف عمرها، فلم يكن لدي الخبرة الكافية في تقدير الأعمار، لكنها لم تكن كبيرة كأم ولا صغيرة كطفلة، كانت في تلك السن ما بعد المراهقة وفي عمر النضوج، لكن هذا لم يعني لي شيئا كطفل قرر فجأة ان يغادر الغرفة في تلك اللحظة ويركض في الشارع كهارب مجنون، ركضت إلى ان توقفت انفاسي من شدة التعب، وجلست إلى جانب الطريق، محاولا أن لا أفكر فيما جرى لي قبل قليل!! لا أذكر كل ما جرى في رأسي من افكار حينها، ربما لأني كنت مجرد طفل يعجز عن التفكير والتحليل، لكني اذكر جيداً في تلك الليلة أن فضولي كان اكبر من أفكاري الخائفة المترددة، وأذكر بأني لم اتفاجأ عندما عدت لأجد أنها لم تزل هناك، وكان شعورا قوياً بالطمأنينة يجتاحني، كأني اعرفها منذ سنين طويلة، كانت تجلس على جانب سريري، بينما كنت اتحرك انا كمجنون يحاول ان يجذب انتباهها، بينما كانت تستمر هي متنقلة بنظراتها لتلاحق تحركاتي، دون ان تنبس ببنت شفة، لا ادري كيف انتهت تلك الليلة بي نائما، بينما اشعر بيدها تمسح على رأسي، نمت يومها نوما عميقا كطفل ينام في حضن امه! شعورا بالدفء والحنان كان يطوف من حولي، ولم يكن الصباح كما عهدته مزعجا في اليوم التالي، فقد استيقظت اكثر نشاطا مما تعودت، وبدت على وجهي ابتسامة جديدة، وحتى اني يومها وقفت طويلا امام المرأة امشط شعري، مجرباً أكثر من تسريحة لشعري، كان طفلا قد أختفي من حياتي، وبدوت شخصاً أخر ستبدأ معاناته مع الأخرين في وقت مبكر من حياته الطويلة، لم يثنه شيء عن ان يكون هو نفسه، محاولا ان لا يخسر تلك الابتسامة التي طبعتها على وجه تلك الفاتنة الشفافة التي دخلت حياته فجأة ولم تغادرها إلا في ظروف معقدة ساءت حياته بعدها، ستكون تلك حكاية لابد من سردها كاملة في وقتها. 

No comments:

Post a Comment